ماذا يحدث في السودان؟   
تقييم حالة - د. محمود المنير - 16/04/2023
764 مشاهدة
pdf

 كتب: د. محمود المنير

في مشهد لافت شهد السودان أمس السبت 15/4/2023 يوما دامٍ جراء قتال اندلع بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية وخلَّف عشرات القتلى والجرحى، ما يعَّقد الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية في السودان الذي يعاني من اضطرابات وأزمات متلاحقة ومتصاعدة منذ 2011.

واندلعت الاشتباكات قبل ساعات من لقاء كان مرتقبا بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع"، حليفه السابق الذي بات ألد أعدائه، محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وثمة خلاف بين البرهان وحميدتي بشأن دمج مقترح لقوات "الدعم السريع" في الجيش، وهي قوة مقاتلة، تأسست في عام 2013 لمحاربة متمردي إقليم دارفور (غرب)، ثم لحماية الحدود وحفظ النظام لاحقا، وهي تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا يوجد تقدير رسمي لعددها، لكنها تتجاوز عشرات الآلاف. حيث يريد البرهان اتمام العملية خلال عامين هي مدة مرحلة انتقالية مأمولة، بينما يتمسك حميدتي بعشر سنوات، وهو خلاف يرى مراقبون أنه يخفي أطماعا من الطرفين في الحكم.

وجراء خلافهما، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي يعيشها السودان منذ انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في 2021 عبر حزمة إجراءات استثنائية.

اشتباكات متفرقة

صباحا، استيقظ السودانيون على اشتباكات بين الطرفين كان الميدان الرئيسي لها منطقة مروي (شمال)، قبل أن تمتد إلى العاصمة الخرطوم، حيث دارت اشتباكات شرسة بأسلحة ثقيلة وخفيفة، وتدخلت خلالها مقاتلات تابعة للجيش وقصفت مواقع.

وشملت الاشتباكات مناطق استراتيجية في الخرطوم بينها: المطار ومقر التلفزيون ومحيط القصر الرئاسي ومقر القيادة العامة للجيش ومقري إقامة البرهان وحميدتي.

وجراء احتراق طائرتين في مطار الخرطوم الدولي تصاعدت أعمدة الدخان وتوقفت حركة الطيران، وفقا لوسائل إعلام محلية. وأصيب السكان بالهلع ما دفع كثيرين إلى الفرار من وسط المدينة وجنوبها.

وأعلنت قوات "الدعم السريع" أن كتيبة من الجيش السوداني والقوات المصرية سلمت نفسها في قاعدة مروي، فيما أعرب حميدتي عن أسفه لبث مقطع مصور يظهر الجنود المصريين المستسلمين.

ومعلقا على المقطع، قال المتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبد الحافظ، في بيان، إن قواتا مصرية تتواجد بالسودان في تدريبات مشتركة مع نظيرتها السودانية، و"جار التنسيق مع الجهات السودانية المعنية لتأمينهم".

 فوضى واتهامات متبادلة

وفي ظل غموض الموقف على الأرض، تبادل الجيش و"الدعم السريع" اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال بالإضافة إلى ادعاءات بسيطرة كل منهما على معسكرات ومواقع تابعة للآخر.

ونقلا عن مسؤول عسكري سوداني، قالت قناة "الجزيرة" القطرية إن هناك "قرار بحل قوات الدعم السريع وإنهاء انتداب جميع ضباط وأفراد الجيش لديها".

فيما شدد الجيش، عبر بيان مقتضب في صفحته بـ "فيسبوك"، على أنه لن يتفاوض مع قوات "الدعم السريع" قبل حلها، واصفا إياها بـ "المتمردة".

وفي 2013 جرى تشكيل تلك القوات لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المسلحة المتمردة في إقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهاما منها مكافحة الهجرة غير النظامية على الحدود وحفظ الأمن.

وقال البرهان إن الجيش لم يبدأ القتال وقد يُضطر لاستدعاء قوات الجيش من قواعده خارج الخرطوم إذا استمرت المعارك.

بينما اعتبر حميدتي أن ما يحدث حاليا سيؤدي إلى حل سلمي وأي مجرم سيُقدم إلى العدالة، مضيفا أن "المعركة ستُحسم خلال الأيام المقبلة".

 حصاد دامي للاشتباكات

ووفقا للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان فإن 25 شخصا على الأقل قُتلوا وأصيب 183 في المواجهات الدائرة في أنحاء البلاد. ولم تتمكن اللجنة من تحديد ما إذا كان جميع الضحايا من المدنيين، بحسب رويترز.

فيما قالت لجنة "أطباء السودان" (غير حكومية)، في بيان، إن هناك "عددا كبيرا (لم تحدده) من القتلى والجرحى المدنيين جراء الاشتباكات"، مناشدة طرفي الصراع "وقف إطلاق النار فورا وفتح مسار آمن للمصابين".

مناشدات القوى المدنية

ومع اتساع رقعة الاشتباكات وسقوط ضحايا، تصاعدت مناشدات عواصم ومؤسسات إقليمية ودولية لوقف القتال على الفور.

وسط الخلاف المتفاقم بين الجيش و"لدعم السريع"، لا تجد القوة السياسية المدنية خاصة الموقعة على "الاتفاق الإطاري" وعلى رأسها "الحرية والتغيير - المجلس المركزي" خيارا آخر تلجأ إليه سوى دعوة الطرفين للتهدئة، تجنبا لوقوع قتال يهدد مستقبل البلاد والاتفاق السياسي المرتقب.

حيث دعت القوى المدنية الموقعة على "الاتفاق الإطاري" لحل الأزمة السياسية بالسودان، في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، إلى "وقف العدائيات فورا، وتجنيب البلاد شر الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل".

وناشدت تلك القوى، عبر بيان، "الأسرة الدولية والإقليمية، المساعدة عاجلا في وقف هذه المواجهات الدموية، والامتناع عن أي فعل يؤجج الصراع ويزيد اشتعاله".

الموقف الدولي

خارجيا، حذرت دول مجلس التعاون الخليجي وبقية الدول العربية وعواصم أخرى ومؤسسات إقليمية ودولية من خطورة الوضع في السودان، ودعت إلى وقف القتال على الفور.

ودون أن يسميهم، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "ربما يكون هناك لاعبون آخرون يحاولون عرقلة التقدم الذي تحقق باتجاه الحكومة المدنية في السودان"، وفقا لوسائل إعلام أمريكية.

وفي 8 يناير/ كانون الثاني 2023، انطلقت في السودان عملية سياسية بين الموقعين على "الاتفاق الإطاري"، وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية أبرزها "الحرية والتغيير- المجلس المركزي"، بهدف التوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية.

وتهدف العملية لمعالجة أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين فرض البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ.

واعتبر الرافضون تلك الإجراءات "انقلابا عسكريا"، بينما قال البرهان إنها تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، متعهدا بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

خلفيات المشهد

وقبل تلك الإجراءات بدأت بالسودان، في 21 أغسطس/ آب 2019 مرحلة انتقالية كان مقررا أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024 وأن يتقاسم السلطة خلالها كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.

ويعاني السودان من اضطرابات سياسية وفوضى أمنية ونزاعات قبلية منذ أن عزل قادة الجيش في 11 أبريل/ نيسان 2019 عمر البشير من الرئاسة (1989-2019)، تحت ضغط احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.




أرسل رسالتك

موضوعات ذات صلة

الكلمات الدلالية

الملفات المرفقة

يحصل الأعضاء المشتركون في الموقع على الخدمات بشكل دوري خلال فترة العضوية مقابل اشتراك رمزي

اشترك الآن مشترك موجود
ارسل
عن الكاتب

د. محمود المنير

- دكتوراه الإعلام والعلاقات العامة