دول الخليج في 2023 الخيارات الصعبة في واقع مضطرب   
تحليل سياسي - د. محمود المنير - 26/01/2023
574 مشاهدة
pdf


لا تكاد تخرج دول مجلس التعاون من أزمة إلا وتواجه الأشد منها منذ اندلاع الأزمة الخليجية في 2017  والابتزاز الأمريكي لأطرافها ، ثم تعثر المفاوضات في الملف النووي الإيراني وانسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من الاتفاق في 8 مايو عام 2018  (1) ، ومرورًا بحائجة كورونا وتداعياتها المستمرة على مختلف المجالات منذ 2020، ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما أعقبها من أزمة عالمية في إمدادات الطاقة وتعثر سلاسل التوريد العالمية والتوقعات الاقتصادية بدخول العالم مرحلة من الركود الاقتصادي في 2023 ، وقبل ذلك وبعده الوقوع بين مطرقة وسندان الصراع المحتدم على النفوذ في المنطقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ورسيا والصين .

وهنا تبدو طبيعة الواقع المضطرب المفعم بالكثير من التغيرات الجيواستراتيجية ومحاولات إعادة توزان القوى في النظام العالمي المتجه بقوة نحو تعدد الأقطاب الذي بدأ يتشكل على أسس وقواعد وتحالفات جديدة على نحو يجعل خيارات الترجيح والاصطفاف والتحالفات شديدة الصعوبة ولها ما بعدها من تداعيات.   

وباستعراض الملفات الشائكة والتحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي في 2023 التي تتطلب معادلات جديدة وفق معطيات الأزمة وتداعياتها المحتملة نجدها تتمثل فيما يلي.

تحديات داخلية معقدة

داخلياً، هناك جملة من التحديات المعقدة والمزمنة التي تواجه دول مجلس التعاون خلال عام 2023 بدرجات متفاوتة بينها تتمثل في تجذر منظومة الفساد وتواضع الجهود المبذولة في مكافحته أو الحد منه (2) ، وعدم القدرة على تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط وضعف المحفزات لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والاختلالات الهيكلية بسبب سوء الإدارة، والعجز في سدّ فجوة مهارات اليد العاملة الوافدة مما أدى إلى استمرار الخلل في التركيبة السكانية وارتفاع معدلات البطالة ، وتراجع دولة الرفاه والوفرة المالية ، فضلا عن الافتقار إلى منظومة ديمقراطية حقيقية في إدارة الحكم، وتراجع ملف الحريات في بعض دول الخليج.

تلك السلسلة من التحديات الداخلية والأزمات الخارجية فرضت على قادة دول الخليج اجتراح تدابير وإجراءات داخلية لم تكن موجود في السابق، وإعادة النظر في الكثير من معادلات التحالفات الخارجية عن تلك التي كانت سائدة طوال عقد من الزمن. فتمّ تعديل مسارات السياسة الخارجية في التعامل مع الدول الطامحة إلى لعب دور مؤثر مثل في المنطقة مثل: تركيا وروسيا، وإيران، والهند، والصين في ظل تراجع الدور الأمريكي في السنوات الأخيرة.

خارجيًا، تعيش دول مجلس التعاون الخليجي في وسط إقليمي ودولي مضطرب يعج بالكثير من الأزمات الدولية الضاغطة والتي تلقي بظلالها على المشهد الخليجي في 2023 تتمثل فيما يلي:

عالم جديد متعدد الأقطاب

من المؤكد أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي يدركون متغيرات الواقع الدولي الذي يشهد تشكل معادلات جديدة في الصراع الدولي المحتدم بين قواه الكبرى كإرهاص لولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث من بات من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد تلعب فيه دورًا مركزيًا كما كانت منذ الحرب العالمية الثانية. والقوى العظمى لم تعد ذات حصانة لا تُقهر. حيث تشهد اضطرابا وارتباكا على إثر شروع كوريا الشمالية في اختبار العديد من الصواريخ البالستية، وإعلان رئيسها في تصريح مدوٍ أن بلاده تنوى أن تكون أكبر قوة نووية في العالم(3)،  ورد الصين بتصريح يؤكد دعمها لأمن كوريا الشمالية، وهو ما جاء جزئيًا كرد فعل على ذكر الولايات المتحدة مرارًا لسياسة «الصين الواحدة»، وهذا من شأنه أن يؤجج الصراع المحتدم أساسًا ، ومع ذلك من المتوقع أن ستظل الهيمنة للولايات المتحدة والغرب عسكرية واقتصادية ، مع بروز أكبر لقوى أخرى أكثر دينامية وتأثيراً مثل: روسيا والصين والهند واليابان ولكن تحت قيود كثيرة في المدى المتوسط وهذا النظام الذي يتشكل من المرجح أن يكون مختلف التأثير والاتجاهات على دول مجلس  التعاون الخليجي.

مخاطر الاصطفاف مع الصين

يرى قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن الصين لم تعد مجرد قوة دولية طامحة بل أضحت لاعبًا فاعلًا ومؤثرًا بقوة في المشهد الدولي ويعتبر الاقتصاد الصيني الأسرع نمو في العالم في الوقت الذي تعاني الولايات المتحدة وأوروبا أزمة اقتصادية حتى أصبح يُطلق عليها "مصنع العالم" كما جاءت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الأبحاث المنشورة ويتوقع أن تأتي في المرتبة الأولى في 2022، كما تمتلك الصين أدوات الإمداد في المجال الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. كما طورت الصين قدراتها العسكرية، بتحديث قوتها النووية والقوة البحرية، كما عززت علاقاتها العسكرية مع 150 جولة ولها ملحق عسكري في 122 دولة، كما ترسل سنويا 170 وفدًا عسكريًا للخارج، وتستقبل سنويًا حوالي 200 وفد عسكري على مستوى دول العالم. (4)

ولهذا قد تبدو الفرصة متاحة الآن بالنسبة لدول الخليج لتتمكن من تنويع اعتماداتها الأمنية والعسكرية، وحماية سياسات وإمدادات الطاقة، وتوفير فرص الاستثمار، وبناء شراكات إستراتيجية تمكّنها من تلبية تطلعاتها وتوظيفها محلياً رغم خطورتها وتداعياتها في ظل التحذير الأمريكي المستمر من التمادي في التعاون مع الصين على حساب مصالح وحصص الولايات المتحدة الأمريكية من الصفقات التي تبرمها دول الخليج في الأسلحة والتكنولوجيا.

من المفهوم أن التقارب مع الصين بالنسبة إلى دول الخليج يعد في أحد أشكاله تحوطًا استراتيجيًا ضد انسحاب الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة من منطقة الشرق الأوسط أو التحلل الجزئي من التزاماتها تجاه أمن دول الخليج.

وهو ما نفاه الرئيس الأمريكي "بايدن" في آخر زيارة له للمنطقة عقب زيارته للسعودية في يوليو -تموز 2022، للقادة العرب أن بلاده ستبقى منخرطة بالكامل في الشرق الأوسط ولن تترك الساحة لقوى عالمية أخرى كي تمارس نفوذها.

وقال بكل وضوح في خطابه أمام القمة الإقليمية التي عقدت في مدينة جدة وجمعته بقادة الدول الخليجية إضافة إلى مصر والأردن والعراق: "لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران" .(5)

يخشى كذلك قادة دول مجلس التعاون الخليجي من بعض المخاطر المحتملة نتيجة التقارب مع الصين على المدى البعيد بسبب أن الصين تربطها اتفاقيات وشراكات إستراتيجية مع إيران قد تخل بمعادلة توزان القوى في المنطقة لصالح إيران على حساب دول الخليج رغم تقاربها معها. في حين أن الولايات المتحدة على خلاف دائم مع إيران خوفا على نفوذها في المنطقة ولضمان أمن إسرائيل ثم أمن الخليج.

تكمن كذلك معادلة الترجيح الصعبة لدى قادة الخليج في أن تعاونها مع الصين في بناء شراكات تتعلق بسياسات الطاقة وأمن إمداداتها يخلق قلقا هنديا متصاعداً أيضاً، حيث تنشر الهند سفنها الحربية بانتظام في بحر العرب وخليج عدن (6)، وتسعى للتواجد وتمديد نفوذها في المنطقة من خلال إبرام اتفاقيات عسكرية مع دول الخليج. وهي تفضل أن تبقى الولايات المتحدة الضامن لأمن دول الخليج وامدادات الطاقة، في حين يساورها القلق على أمنها ومصالحها من تنامي نفوذ الصين في المنطقة.

تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية

تُشكل الحرب الروسية الأوكرانية أكبر منعطف تاريخي في العلاقات الأوروبية منذ عقود طويلة، وامتدت تداعياته المرحلية إلى أمن دول الخليج فضلا عما قد تحمله من تداعيات مجهولة في المستقبل، على الرغم من أن مواقف دول الخليج تجاه الصراع اتسمت بالحياد والاستقلالية نسبيًا - بعيدًا عن الموقف الأمريكي والدول الأوروبية. لكن فرض عقوبات غربية على روسيا التي تمتلك أكبر خطوط إمداد الطاقة للعالم وضع دول الخليج في معادلة صعبة ومنافسة حادة مع جميع أطراف الصراع حول خطوط الإمداد. وارتفاع أسعار النفط والغاز مما شكل أزمة عالمية في مصادر الطاقة أصبحت دول الخليج طرفًا أساسيًا في حلها.

ركود الاقتصادي العالمي

 يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون العام 2023 هو الأضعف على مستوى العالم في النمو الاقتصادي منذ العام 2009، مصحوبا بحالة ركود اقتصادي تضرب ثلث دول العالم على الأقل (7).  وهو أمر من المرجح أن يتبعه انخفاض في حجم الطلب على النفط على المدى المتوسط رغم ارتفاعه أسعاره في الوقت الراهن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

ويتوقع الخبراء أن الاقتصادات الكبرى، وضمنها الاقتصادي الأمريكي والأوروبي والبريطاني، ستدخل مرحلة ركود في هذا العام بما أن البنوك المركزية تستمر في رفع أسعار الفائدة لأجل محاولة التحكم في أسعار الخدمات والبضائع الأساسية.

ومن المتوقع أن يبقى ارتفاع الأسعار معتدلاً في عام 2023، خصوصاً مع ضُعف الطلب العالمي وتراجع أزمات العرض وتوقع هبوط أسعار الطاقة وانخفاض تكاليف الشحن. لكن عموماً ستبقى نسب التضخم فوق المستويات المستهدفة للبنوك المركزية، ما سيجعل ارتفاع أسعار الفائدة مستمراً، وبالتالي إمكانية تفاقم أزمة الديون العالمية.

وبما أن دول الخليج تعتمد بشكل أساسي في اقتصاداتها على تصدير النفط، فإن مخاطر التأثر بهذا الركود الوشيك تبدو عالية الخطورة.

عدم الاستقرار في المحيط الإقليمي

يواجه صانعو السياسة الخارجية في دول الخليج منذ أحداث ما يسمى بالربيع العربي في 2011 حالة من عدم الاستقرار في المحيط الإقليمي، مما تتطلب إعادة رسم مسارات السياسة الخارجية لتحجيم أثر التداعيات الممتدة على المنطقة، وبشكل عام دعمت دول الخليج ولازالت الأنظمة التي شهدت اضطرابات وتغيرات بفعل الربيع العربي خوفًا من تمدد هذه الاحتجاجات إلى دولهم ، على غرار ما حدث في البحرين والكويت وسلطنة عمان ، ونجحت في ذلك حتى الآن لكن بقيت هناك حالة من الفوضى والأزمات المستمرة والمتصاعدة أحياناً تسود المحيط الإقليمي شكلت المزيد من وطأة المعضلة الأمنية لاسيما بسبب الأزمة اليمنية والسورية ، ومخاوف الانهيار الاقتصادي في مصر .

ولازالت تداعيات هذه الحالة من السيولة وعدم الاستقرار تلقى بظلالها في 2023 إضافة إلى الحالة العراقية غير المستقرة بفعل الأزمات وعدم التوافق بين مكونات العملية السياسية في العراق وتمدد النفوذ الإيراني المتزايد منذ انسحاب أمريكا من العراق، حيث أبرمت الولايات المتحدة والعراق اتفاقية الإطار الإستراتيجي عام 2008 التي مهدت لخروج القوات الأميركية بشكل كامل أواخر 2011 بعد 8 سنوات من الاحتلال، ثم عودة القوات الأميركية إلى العراق بطلب من بغداد لمساعدتها في مواجهة تنظيم الدولة عام 2014، إثر اجتياح التنظيم لثلث مساحة البلاد في الشمال والغرب بعد أن أوشك الجيش العراقي على الانهيار . (8)

وقادت الولايات المتحدة تحالفا مكونا من نحو 60 دولة لمحاربة هذا التنظيم، وقدمت دعما مؤثرا لإلحاق الهزيمة به. واستعاد العراق كامل أراضيه من التنظيم عام 2017 بعد 3 سنوات من الحرب. وعلى الرغم من محاولات دول الخليج لاسيما السعودية والكويت استعادة العراق للمجال الخليجي إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن.

ورغم جولات الحوار ودفع مسارات التهدئة في الخطاب السياسي العام المتبادل مع إيران إلا أن كيفية مقاربة العلاقة معها تبقى معضلة تواجه دول الخليج بسبب استمرار توسيع طهران نفوذها في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان والبحرين مما دفع عواصم خليجية للتطبيع العلني مع إسرائيل فيما يعرف باتفاقات إبراهام عام 2020 تصدرت فيها الإمارات والبحرين، مدفوعة برعاية أمريكية تفضل تطبيع دول الخليج مع إسرائيل على إمكانية تفاهمها مع إيران.

وعلى صعيد متصل تعثرت المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران وهو ما ينذر باستمرار توتر العلاقات الإيرانية الخليجية باعتبار الأخيرة المتضرر الأول من احتمالية أي مواجهات عسكرية مع إيران.

في الجانب الآخر من المشهد، نجد أن التقارب الإيراني الروسي على الصعيد العسكري تحول إلى ما يشبه حِلفا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإن مخاطر خروج الأمور عن السيطرة في المنطقة تبقى عالية، لا سيما أن حالة الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ عدة شهور في إيران قد تغريها بعمل عسكري محدود ضد المصالح الأمريكية في الخليج لصرف الجبهة الداخلية عن مطالبها الاصلاحية لمواجهة الخطر الخارجي.

تحديات في مسار التطبيع مع إسرائيل

ظلت علاقات بعض دول الخليج مع إسرائيل تحت الطاولة وبعيداً عن متناول وسائل الاعلام لسنوات طويلة، حتى خرجت للعلن على نحو بدا للبعض حدثًا مدويًا ومفاجئًا فلم يكن متوقعًا أنها ستقدم على خطوة كهذه بلا مبررات كافية، خصوصاً أنها ستجعلها في مواجهة مباشرة مع شعوبها الرافضة للتطبيع في غالبيتها،

وخاصة أن دول الخليج ليست من دول الطوق كمصر والأردن، ولم تكن في حرب مباشرة مع إسرائيل لتعلن السلام معها، وهي دول تتمتع بعلاقات جيدة مع الغرب، وفي أوضاع سياسية واقتصادية مستقرة نسبيًا مقارنة ببقية الدول العربية؛ مما يجعلها غير مضطرة للتطبيع، إذا هي معادلة اختيارية لا اضطرارية.

بالنظر لدوافع كل من الإمارات والبحرين اللتان وقعتا اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في 15 سبتمبر/آيلول 2020 برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب(9)، نجد أنها تتمثل في شعور هذه الدول بالخطر نتيجة انسحاب الولايات المتحدة تدريجياً من المنطقة، وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة وتراجع دور القوى العربية التقليدية مثل مصر والعراق وسوريا بفعل حالة عدم الاستقرار منذ أحداث الربيع العربي في 2011.

وفيما يبدو أن هذه الدوافع شكلت باعثًا قويًا لهما للتطبيع مع إسرائيل باعتبارها متفوقة عسكرياً وأمنياً وتقنياً ومخابراتياً ويمكن أن تشكل رافداً في هذه المجالات عبر اتفاقات شراكة معها لإحداث التوزان القوى في المنطقة.

بشكل عام وبتقييم مسار اتفاقية التطبيع التي وقعتها كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل فمن الواضح أن ما قدمته كل من الإمارات والبحرين من رهانات بأن تطبيع العلاقات مع تل أبيب سيدفع الأخيرة إلى تحسين سلوكها لا تقوم على أرضية صلبة، ويخالف التاريخ والسلوك الإسرائيلي في المنطقة لاسيما في التعامل مع قضية فلسطين مركز الصراع العربي الإسرائيلي.

ويواجه مسار التطبيع تحديًا كبيرًا بعد تنصيب حكومة نتنياهو السادسة التي تعدّ الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل. (10) وسوف تعمل أحزاب الائتلاف فيها على أن تفرض سياساتها بخصوص القضية الفلسطينية وتجاه المجتمع الإسرائيلي وطبيعة السياسة الخارجية وهو ما يضع الدول الخليجية في معادلة صعبة أمام رفض شعوبها للتطبيع والتزاماتها إزاء اتفاقية إبراهام.

مقاربات سياسية مع الفاعلين المؤثرين

تحاول دول مجلس التعاون الخليجي إحداث التوازن في علاقاتها الخارجية مع القوى المتنافسة على النفوذ في المنطقة من منطلق براغماتي بحت فعلى سبيل المثال؛ رصيد تركيا في كسب نقاط القوة ازداد إقليميًا بعد وقوفها إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية ونجاحها في الموازنة في علاقاتها بين روسيا والغرب وتمكنها من انتزاع دور الوسيط الموثوق في بحث سيناريوهات الحل السياسي للحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن نجاحها في تسهيل تصدير الحبوب إلى العالم. (11) ونجحت أنقرة في توظيف الدبلوماسية في الحصول على غطاء سياسي دولي يمكنها من القيام بعمليات عسكرية في سوريا والعراق لمواجهة التهديد الكردي لأمنها القومي والاستراتيجي.

اصطحابًا لما سبق، يُدرك قادة (السعودية الإمارات البحرين) أن النفوذ التركي قائم في منطقة الخليج وأن احتواؤه أضحى أقل تكلفة من مواجهته ومن هنا نفهم سبب الانفراجات السياسية بين تركيا والدول الثلاث إضافة إلى مصر. وفيما يبدو أن دول الخليج وفق هذه المعطيات تسعى لتعزيز واستثمار تحسين العلاقات مع تركيا لتخفيف الضغط الإيراني كون البلدين يتنافسان على النفوذ في الخليج، لا سيما أن تركيا أكثر براغماتية من إيران في نظرتها لمنطقة الخليج. وهي تبحث عن شراكات اقتصادية تضخ مالاً في أسواقها وتكبح جموح التضخم في حين تستمر إيران في توسيع نفوذها الأمني والسياسي في المنطقة.

إن المعادلات الجديدة في مسار السياسة الخارجية التي بدأتها السعودية وتلتها دولة الإمارات بعد حل الأزمة الخليجية مع قطر في اتفاقية "العلا"(12)، بإعادة العلاقات مع تركيا، والانخراط في حوارات سرية مع إيران في بغداد بواسطة عراقية جاءت جميعها في إطار إعادة تقييم السياسة الخارجية مع جميع الأطراف الفاعلة في دول الخليج، من أجل ضبط المسارات في الملفات الشائكة في ليبيا وسوريا وتركيا وصولا إلى اليمن وإيران.

ولمواجهة التحديات الداخلية والخارجية تسعى دول مجلس التعاون لإعادة ترتيب البيت الخليجي ضمن بناء توافق داخلي يعزز مساحات التوافق ويتجنب مناطق الخلاف والنزاع مع الأشقاء، من خلال تخفيف حدة المواجهة مع تركيا، وإعادة تقييم تداعيات الانخراط في مناطق النزاع مثل سوريا وليبيا واليمن التي استحالت مناطق استنزاف دون حسم مطلق، وإعادة  تقييم الدعم المقدم للنظام المصري ، وصولًا إلى رغبة دفع الحوار مع إيران قدمًا، تحسبًا لأي تغيير في ملفها النووي مع القوى الدولية سواء تصعيدًا أو حلًا، مع الانفتاح وتعزيز الشراكات مع الصين والهند وروسيا لتنويع التحالفات وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة .

الهوامش:

1- ترامب يعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني ويعيد العمل بالعقوبات على طهران، فرانس 24، رابط مختصر، https://bit.ly/2PvsVyM

2- للمزيد طالع: دول الخليج تتقدم بخُطا ثابتة في مكافحة الفساد، الخليج أونلاين، رابط مختصر، https://bit.ly/3iwPEKm

3- زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يؤكد أن هدف بلاده النهائي هو امتلاك أعظم قوة نووية في العالم، BBC عربي، رابط مختصر، https://bbc.in/3GEFuQ2

4- التواجد الصيني في منطقة الخليج: الانحياز للمصالح، أ. أحمد سليم البرصان، أراء حول الخليج، رابط مختصر، https://bit.ly/3QuF0Ac

 5-  زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، BBC عربي، نشر في 16 يوليو 2022، رابط مختصر، https://bbc.in/3Gra5QD

6- الهند تنشر سفن حربية في الخليج لتأمين تجارتها، الحياة برس، رابط مختصر، https://bit.ly/3k9E5t6

7- اشتداد مخاطر حدوث ركود اقتصادي عالمي في 2023 في ظل زيادات متزامنة لأسعار الفائدة، البنك الدولي، رابط مختصر، https://bit.ly/3vQqUQp

8- انظر: تفاصيل الانسحاب الامريكي من العراق، وكالة رويترز، رابط مختصر، https://reut.rs/3vSsWiH

9- نص إعلان "اتفاق إبراهام" بين إسرائيل والإمارات والبحرين (وثيقة)، وكالة الأناضول، رابط مختصر، https://bit.ly/3k6E4pE

10- تداعيات تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، عرب 48، رابط مختصر، https://bit.ly/3H5SRu1

11-  تركيا: صفقة الحبوب مع روسيا تهدف لخفض الأسعار في العالم، رابط مختصر، https://bit.ly/3ZpS4er

12- "إعلان العُلا" للمصالحة الخليجية.. 9 بنود بارزة و3 أهداف غائبة (إطار)، رابط مختصر، https://bit.ly/3k5CcNV

 




أرسل رسالتك

موضوعات ذات صلة

الكلمات الدلالية

الملفات المرفقة

يحصل الأعضاء المشتركون في الموقع على الخدمات بشكل دوري خلال فترة العضوية مقابل اشتراك رمزي

اشترك الآن مشترك موجود
ارسل
عن الكاتب

د. محمود المنير

- دكتوراه الإعلام والعلاقات العامة