لا تعويل على نهضة المجتمعات العربية، حيث تحكمها أنظمة سياسية ملتزمة بتفاهمات وظيفية للغرب شرقه وغربه، أياً كانت الأوضاع السياسيه او الاقتصادية أو الاجتماعية، وذلك لأن القوى الكبرى متكفلة وملتزمة من جانب آخر بدعم أغلبها ورفعها من السقوط.
لذلك فالتقارير المحذرة والتي تخبرنا عن إفلاس بعضها أو قرب انهيار بعضها لا طائل منه سوى توجيه لوم إلى الإدارة الفاسدة والسيئة والموالية للغرب، وذلك حتى لا تحرجها أمام شعوبها وبرلماناتها، وإلا مهما تردى الوضع السياسي والاقتصادي والمعيشي فإن الغرب والشرق ملتزم أيضا بوظيفته من أجل استمرار النفوذ والمصالح الغربية في المنطقة والسيطرة على ثرواتها بالطريقة المباشرة أو غير المباشرة.
ومن هنا يتأتى أهمية فهم الحالة الجيواستراتيجية وطبيعة المصالح الحيوية الدولية والإقليمية إذ أنها قائمة على منظومة متفاهمة تختلف على حصص النفوذ ومتفقة على مناطق النفوذ كلٌّ بحسبه، وللأسف أن التفكير غير الدقيق للحركات الحرة والقوى الاجتماعية الناظمة للحراك الاجتماعي في استيعاب وفهم التقارير والتحليلات الدولية وهى تظن بأن الغرب سيتخلى يوماً ما عن سياساته أو استراتيجياته.
لقد ظنت القوى الحية والاجتماعية على سبيل المثال في تونس أن النظام الغربي يتفاوض معها في ملأ الديمقراطية الناشئه والحديث عن مصالح التونسيين، وفي الحقيقة هو داعم لكل الخطوات التي نسجها قيس سعيد وأعاد من خلالها تشكيل الحالة السياسية في تونس، ووضع دستوراً أحادياً وبعد أن صدر الدستور بدأ في استكمال إجراءاته دعا الغرب تلك القوى التعامل مع الواقع الجديد.
لقد طويت مرحلة التغيير الثوري في استراتيجية الغرب لتستمر في تدعيم النظام السياسي العربي المنتج وفق المقاسات الدولية ،كما وأن منافسيه من الأقطاب الشرقية (روسيا والصين) لا يختلفون فى إعادة تشكيل المنطقة العربية وإن اختلفوا على حصص النفوذ، وهكذا في ليبيا واليمن وسوريا والعراق والسودان يعاد إنتاج النظام السياسي العربي بنفس ادواته وتقاليده، وستظل الشعوب العربية غير قادرة على الحراك لاستعادة المبادرة في نهضة مجتمعاتها وإعادة السيادة الحقيقية لها، لأنها من داخلها مأزومة ومشتتة وجاهله بفهم العالم وحركته، بل إن قيم بناء العمل الجماعي تكاد تكون مفقودة وسرعان ما يستعر فيها الخلاف، لذا من المحزن أن يوميا تصدر تحليلات خاطئة حول إفلاس دولة ما، أو سقوط نظام ما، وتحول اجتماعي ما، تظل كلها تقارير مضللة في حقيقتها وإن كانت من حيث التحليل المعلوماتي صحيحه، لكنها لا تبني تصورات استراتيجية واقعية وصحيحة
إن المستقبل يصوغه العمل الصادق، والتحليل الصحيح وتقدير الموقف السليم.
إن عقد العشرينيات المتسارع هذا القرن ينتظر أن يكون ارهاصات لإعادة صياغة الفكر السياسي والاجتماعي للقوى الاجتماعية والانطلاق نحو نظرية سياسية متكأة على مرجعية قيمية إسلامية في نظرتها العامة، وتحليل واقعي استراتيجي في نظرتها المرحلية والزمنية، وعند تحرير تلك النظرية تنبثق منها رؤية تغيير تستوعب حالة العالم والإقليم والدولة والمجتمع، وتوحد قوى المجتمع، و تستفز فى بناء أولوياته دون التوقف أمام التقارير والتحليلات الحالمة.
إن إعادة صياغة جيل من الشباب العربي قائم على بناء من الوعي الاستراتيجي ونظرية العمل الصحيحة والقيم العالية القوية سيؤهل المنطقة بعد عقود قادمة لتغيير إيجابي نهضوي لذا لا خيار أمام الناس في مجتمعاتنا العربية سوى السير إلى الأمام.